يحتل الفعل المضارع مكانة مركزية في النحو العربي، فهو النابض بالحركة والتجدد في الجملة، والمعبر عن الأحداث التي نعيشها أو ننتظر حدوثها. واستناداً إلى النصوص التعليمية الواردة، يُعرف الفعل المضارع بأنه: "ما دل على حدث في زمن الحال أو الاستقبال". هذا الارتباط الوثيق بالزمن الحاضر والمستقبل يمنحه خصائص إعرابية فريدة تميزه عن الفعل الماضي وفعل الأمر المبنيين دائماً.
 |
| درس رفع الفعل المضارع بسهولة مع شرح وأمثلة سريعة |
في هذا المقال، سنغوص في الحالة الإعرابية الأصلية للفعل المضارع وهي "الرفع"، لنستكشف متى يُرفع، وما هي العلامات التي تظهر على آخره، وكيف تختلف هذه العلامات باختلاف بنية الفعل، مستشهدين بالآيات القرآنية والنماذج الإعرابية التي وردت في المنهج الدراسي.
القاعدة الأساسية لرفع الفعل المضارع
قبل الدخول في تفاصيل العلامات، يضع الكتاب المدرسي قاعدة جوهرية تحدد متى يكون الفعل المضارع مرفوعاً. تنص القاعدة الواردة في الصورة الأولى على أن: "الفعل المضارع يُرفع إذا لم يُسبق بناصب ولا جازم". هذا يعني أن الحالة الطبيعية والتلقائية للفعل المضارع هي الرفع، ويظل محافظاً على هذه الحالة ما لم تدخل عليه أدوات تغير مساره، مثل أدوات النصب (أن، لن) أو أدوات الجزم (لم، لا الناهية). فإذا تجرد الفعل من هذه المؤثرات الخارجية، استحق الرفع فوراً.
أولاً: علامة الرفع الأصلية (الضمة الظاهرة)
عند النظر في علامات الرفع، نجد أن العلامة الأولى والأشهر هي "الضمة الظاهرة". وبحسب الشرح الوارد في الصور، فإن هذه الضمة هي عبارة عن "الواو الصغيرة التي توضع على آخر الفعل". ولكن، ليس كل فعل مضارع يقبل ظهور هذه الحركة؛ فالكتاب يحدد شرطاً دقيقاً لذلك، وهو: "عندما يأتي الفعل آخره حرف صحيح". والحرف الصحيح هو أي حرف من حروف الهجاء غير حروف العلة الثلاثة (الألف، الواو، الياء).
في هذه الحالة، تظهر الضمة بوضوح في النطق والكتابة على الحرف الأخير. وقد أورد الكتاب سلسلة من الأمثلة الفعلية المجردة لتوضيح ذلك، مثل الأفعال: (يسجدُ، يأمرُ، يركعُ، أكتبُ، أقومُ). في كل هذه الأمثلة، نجد أن الحرف الأخير (الدال، الراء، العين، الباء، الميم) حرف صحيح، ولذلك استقر فوقه "ضمة ظاهرة".
تحليل الشواهد القرآنية على الضمة الظاهرة
لترسيخ هذه القاعدة، قدم المنهج نماذج إعرابية من القرآن الكريم. النموذج الأول هو قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة: 119]. عند إعراب الفعل "ينفعُ" في هذه الآية، نقول كما ورد في النص: هو فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، لأنه تجرد من الناصب والجازم وكان صحيح الآخر (العين).
والنموذج الثاني في قوله تعالى من سورة يوسف: ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ﴾ [يوسف: 65]. الأفعال في هذه الآية (نميرُ، نحفظُ، نزدادُ) جاءت كلها مرفوعة وعلامة رفعها الضمة الظاهرة على آخرها، لخلوها من النواصب والجوازم وصحة نهاياتها.
ثانياً: علامة الرفع المقدرة (الضمة المستترة)
ينقلنا الكتاب بعد ذلك إلى المستوى الثاني من علامات الرفع، وهو "الضمة المقدرة". وهذه العلامة تختص بنوع محدد من الأفعال، وهو "الفعل المعتل الآخر". ويُعرف الفعل المعتل الآخر بأنه الفعل الذي ينتهي بأحد حروف العلة الثلاثة: (الألف، الواو، الياء). في هذه الحالة، لا تُرسم الضمة على آخر الفعل، بل تكون مقدرة في الذهن لوجود "مانع" يمنع ظهورها.
تقدير الضمة على الواو والياء
عندما ينتهي الفعل المضارع بحرف "الواو" أو "الياء"، فإن الضمة تقدر عليهما. وقد ساق الكتاب أمثلة متنوعة لهذه الحالة، فمن المعتل بالواو: (يدعو، يرجو، يعفو، يدنو)، ومن المعتل بالياء: (يقضي، يفتي، يسقي، يرمي).
ومن الشواهد القرآنية الدالة على ذلك قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [يونس: 25].
في هذا المثال، الفعل "يدعو" فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الواو. وكذلك الفعل "يهدي" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء.
وفي مثال آخر للمعتل بالياء، ورد قوله تعالى: ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾ [القصص: 23]. فالفعل "نسقي" مرفوع بضمة مقدرة.
تقدير الضمة على الألف
أما إذا كان الفعل المضارع معتل الآخر بـ "الألف"، فإن الضمة تقدر أيضاً. ومن الأمثلة التي ذكرها الكتاب: (يرضى، يسعى، يخشى، ينهى). وتتضح هذه القاعدة في قوله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ﴾ [الليل: 1]. فالفعل "يغشى" فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
وكذلك في قوله تعالى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ﴾ [الأعلى: 10]، حيث أُعرب الفعل "يخشى" بأنه مرفوع بالضمة المقدرة.
ثالثاً: علامة الرفع الفرعية (ثبوت النون)
بعد استعراض الضمة بنوعيها (الظاهرة والمقدرة)، يشير المخطط البياني في الصور إلى علامة ثالثة مميزة لرفع الفعل المضارع، وهي "ثبوت النون". هذه العلامة لا تتعلق بصحة الحرف الأخير أو علته، بل تتعلق بنوع الضمير المتصل بالفعل.
تكون علامة الرفع "ثبوت النون" إذا كان الفعل من "الأفعال الخمسة". وقد عُرّفت الأفعال الخمسة في هوامش وشروحات الصور بأنها: كل فعل مضارع اتصلت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة. ففي هذه الحالة، تُكتب النون في آخر الفعل وتُنطق لتكون دليلاً على رفعه، بدلاً من الضمة.
ومن أبرز الشواهد القرآنية التي حللها الكتاب في هذا السياق قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: 3]. عند إعراب الفعل "يؤمنون"، نقول: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. والأمر نفسه ينطبق على الفعل "يقيمون".
كما ورد مثال آخر يوضح اتصال الفعل بألف الاثنين في قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ [الرحمن: 19]، فالفعل "يلتقيان" مرفوع بثبوت النون لاتصاله بألف الاثنين.
تطبيقات عملية
للتأكد من استيعاب هذه القواعد، نستعرض بعض التطبيقات التي وردت في صفحات "تدريبات على الفصل الأول" المرفقة. في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الرعد: 26]، نجد تنوعاً في علامات الرفع:
- الفعل "يبسطُ": فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، لأنه صحيح الآخر (ينتهي بحرف الطاء).
- الفعل "يشاءُ": فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، لأنه صحيح الآخر (ينتهي بالهمزة).
- الفعل "يقدرُ": فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، لأنه صحيح الآخر (ينتهي بالراء).
وفي مثال آخر: ﴿وَاللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: 68]، نرى الأفعال (يخلقُ، يشاءُ، يختارُ) كلها مرفوعة بالضمة الظاهرة لصحة نهاياتها وتجردها من النواصب والجوازم.
بينما في الآية الكريمة: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: 56]، جاء الفعل "تهدي" مرفوعاً بضمة مقدرة لأنه معتل الآخر بالياء.
الخاتمة
ختاماً، يتضح لنا من خلال النصوص والقواعد المستخرجة من الكتاب المدرسي أن رفع الفعل المضارع هو نظام لغوي دقيق يعتمد بشكل كلي على بنية الكلمة ومكوناتها. فالأصل في الرفع هو "الضمة الظاهرة" التي تزين أواخر الأفعال الصحيحة، ولكن اللغة العربية تراعي سهولة النطق، فتلجأ إلى "الضمة المقدرة" مع أفعال العلة، وتستخدم "ثبوت النون" كعلامة مميزة للأفعال التي تتصل بضمائر الرفع. إن فهم هذه العلامات الثلاث (الظاهرة، المقدرة، ثبوت النون) وشروطها كما وردت في الآيات القرآنية، هو المفتاح الأساسي لإتقان إعراب الفعل المضارع والتحدث بلغة عربية سليمة.