تُعد اللغة العربية لغة تصويرية بامتياز، لا تكتفي بسرد الأحداث كأفعال مجردة، بل تهتم برسم الهيئة التي وقعت عليها تلك الأحداث. ومن هنا تبرز أهمية باب الحال في النحو العربي، فهو الأداة التي تلون الجملة وتوضح حالة الفاعل أو المفعول لحظة وقوع الفعل.
![]() |
| الحال المفرد في اللغة العربية: تعريفه، علاماته، وتطبيقاته القرآنية |
يُعرف الحال تعريفاً جامعاً بأنه: الاسم الفضلة المنصوب الذي يبين هيئة صاحبه. هذا التعريف يضعنا أمام محددات دقيقة؛ فالحال لا بد أن يكون "اسماً" لا فعلاً في أصله، و"فضلة" أي أنه يأتي بعد تمام أركان الجملة الأساسية (الفعل والفاعل) ليضيف معنى جديداً وليس ركناً لا تستقيم الجملة بدونه، وحكمه الدائم هو "النصب". أما وظيفته الجوهرية فهي الإجابة عن سؤال "كيف؟" من خلال بيان هيئة صاحبه (الفاعل أو المفعول) وقت حدوث الفعل.
في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل الحال المفرد كما عرضه المنهج، لنشرح مفهوم الإفراد فيه، وتنوع علامات نصبه بين الحركات والحروف، وعلاقته بصاحب الحال، مستشهدين بالنماذج القرآنية الثرية التي زخرت بها صفحات الكتاب.
ماهية الحال المفرد: الوحدة في اللفظ لا في العدد
قد يتبادر إلى الذهن عند سماع مصطلح الحال المفرد أنه ما دل على واحد فقط، ولكن يصحح هذا المفهوم. فالمقصود بالإفراد في باب الحال هو: ما ليس جملة ولا شبه جملة. وهذا يعني أن الحال المفرد هو ما جاء كلمة واحدة، سواء كانت هذه الكلمة تدل على مفرد، أو مثنى، أو جمع.
يتضح هذا المفهوم بجلاء من خلال الأمثلة القرآنية المتنوعة. ففي قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: 21]، جاءت الحال "خائفاً" كلمة واحدة تدل على المفرد، لتبين هيئة نبي الله موسى عليه السلام لحظة الخروج. وفي المقابل، نجد قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: 16]، حيث جاءت الحال "لاعبين" بصيغة الجمع، ومع ذلك صنفها الكتاب تحت "الحال المفرد" لأنها كلمة واحدة وليست تركيباً جملياً. هذا الفهم لطبيعة "الإفراد" هو الخطوة الأولى لاستخراج الحال وإعرابه بشكل صحيح.
العلامات الإعرابية للحال المفرد (بين الظاهر والمقدر والفرعي)
بما أن الحال "منصوب دائماً" كما نصت القاعدة، فإن علامة هذا النصب تختلف باختلاف بنية الكلمة التي تقع حالاً. وقد قدمت الصور مسحاً شاملاً لهذه العلامات من خلال الشواهد القرآنية:
1. النصب بالفتحة الظاهرة
وهي العلامة الأصلية للنصب، وتظهر بوضوح على آخر الاسم المفرد الصحيح أو جمع التكسير.
- الشاهد القرآني: ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].
في هذه الآية الكريمة، كلمة "ضعيفاً" هي حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة، وقد بينت هيئة "الإنسان" (وهو نائب فاعل هنا) عند خلقه. - مثال آخر: ﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا﴾ [النساء: 79].
جاءت كلمة "رسولاً" حالاً منصوبة بالفتحة، لتبين الهيئة التي أُرسل بها النبي (صلى الله عليه وسلم).
2. النصب بالفتحة المقدرة
أشارت النصوص إلى حالة خاصة لا تظهر فيها الفتحة، وذلك عندما تكون الكلمة معتلة الآخر بالألف (الاسم المقصور).
- الشاهد القرآني: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ﴾ [النساء: 142].
كلمة "كُسالى" هنا حال تبين هيئة المنافقين. ورغم أنها منصوبة، إلا أن الفتحة لم تظهر على الألف المقصورة، بل قُدرت "للتعذر" (استحالة النطق)، فكان الإعراب: حال منصوب بفتحة مقدرة.
3. النصب بالياء (العلامة الفرعية)
تتحول علامة النصب إلى "الياء" عندما يكون الحال جمع مذكر سالماً، وهي حالة شائعة جداً في القرآن الكريم كما أظهرت الأمثلة.
- الشاهد القرآني: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ [المدثر: 49].
كلمة "معرضين" حال منصوبة وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم. وقد بينت هيئة الضمير "هم" في "لهم". - شاهد آخر: ﴿وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ [الشعراء: 130].
كلمة "جبارين" حال منصوبة بالياء، وصاحبها الضمير "التاء" في "بطشتم" (تاء الفاعل).
4. النصب بالكسرة (نيابة عن الفتحة)
وهي علامة فرعية تختص بجمع المؤنث السالم، مثال دقيق.
- الشاهد القرآني: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ [الممتحنة: 10].
كلمة "مهاجراتٍ" حال منصوبة، ولكن علامة نصبها "الكسرة" نيابة عن الفتحة، لأنها جمع مؤنث سالم. هذه النقطة من الدقائق النحوية التي يركز عليها المنهج لتمييز الطالب المتمكن.
صاحب الحال: الركن المعرفة
لا يمكن للحال أن تسبح في فضاء الجملة دون مرجع تعود إليه، وهذا المرجع يسمى "صاحب الحال". وتؤكد القواعد المستنبطة من الأمثلة أن صاحب الحال لا بد أن يكون "معرفة"، سواء كان اسماً ظاهراً أو ضميراً.
- صاحب الحال ضمير: في قوله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْنَا... لَاعِبيِنَ﴾، صاحب الحال هو الضمير "نا" الدال على العظمة الإلهية. وفي ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا﴾، صاحب الحال هو الضمير المستتر في الفعل "خرج" وتقديره "هو" (موسى).
- صاحب الحال اسم ظاهر: في قوله تعالى ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾، صاحب الحال هو الاسم المعرف بـ (أل) "الإنسان".
هذا الارتباط الوثيق بين الحال (النكرة) وصاحبها (المعرفة) هو الذي يمنح الجملة دلالتها الواضحة، فنعرف بدقة مَن هو "الخائف" ومَن هو "الضعيف".
تطبيقات تحليلية
لترسيخ فهم "الحال المفرد"، نستعرض تحليلاً سردياً لبعض النماذج، والتي تمثل تطبيقاً عملياً للقواعد السابقة:
في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ [الإسراء: 37]، نجد أن النهي عن المشي مقيد بحالة محددة. كلمة "مرحاً" جاءت حالاً مفردة منصوبة بالفتحة، وهي تبين هيئة المشي المنهي عنه، وصاحبها الضمير المستتر في "تمشِ".
وفي مشهد آخر يصور الطيور، يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ﴾ [الملك: 19]. كلمة "صافاتٍ" هنا حال مفردة (رغم أنها جمع في المعنى)، وعلامة نصبها الكسرة لأنها جمع مؤنث سالم، وهي تصف هيئة "الطير" (صاحب الحال المعرفة).
أما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرَجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: 239]، تتجلى روعة الحال في إيجاز المعنى. فكلمة "رجالاً" حال منصوبة (بمعنى راجلين/مشاة)، و"ركباناً" حال معطوفة منصوبة، وكلاهما بين هيئة الصلاة في حال الخوف، وهما جمع تكسير نُصب بالفتحة.
وفي وصف دقيق للإنفاق، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ [البقرة: 274]. جاءت "سراً" حالاً مفردة منصوبة بالفتحة لتبين كيفية الإنفاق، وكذلك "علانية" معطوفة عليها، مما يصور شمولية الخير في كل الهيئات.
وأخيراً، في قوله تعالى: ﴿لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [الفتح: 27]، تأتي البشرى في صورة حال. "آمنين" حال مفردة منصوبة بالياء (جمع مذكر سالم)، تبين الهيئة النفسية والواقعية للمؤمنين عند دخولهم مكة.
ملخص تطبيقي (الخلاصة العملية)
| الحالة النحوية | التطبيق والقاعدة |
|---|---|
| جوهر الحال | اسم فضلة نكرة منصوب يبين الهيئة. |
| صاحب الحال | يجب أن يكون معرفة (اسم ظاهر أو ضمير). |
| معنى الإفراد | أن يكون كلمة واحدة (سواء دلت على مفرد أو مثنى أو جمع). |
| علامات النصب | الفتحة (للمفرد)، الياء (للمثنى والجمع)، الكسرة (لجمع المؤنث). |
