تتميز اللغة العربية بقدرتها الفائقة على تصوير المعاني ورسم المشاهد بكلمات قليلة. ومن أهم الأدوات النحوية التي تضفي هذه الحيوية على الجملة هو الحال. أن الحال ليس مجرد كلمة تصف الفاعل أو المفعول، بل هو "كاميرا" لغوية تنقل لنا هيئة أصحابها لحظة وقوع الفعل.
![]() |
| الحال في اللغة العربية: تعريفه، أنواعه، وإعرابه |
يُعرف الحال تعريفاً دقيقاً بأنه: الاسم الفضلة المنصوب الذي يبين هيئة صاحبه. وهذا التعريف المختصر يحمل في طياته شروطاً دقيقة: فهو "فضلة" (أي يمكن الاستغناء عنه دون أن يفسد أصل المعنى النحوي للجملة، وإن كان يضيف معنى جديداً)، وهو "منصوب" دائماً، ووظيفته الأساسية هي "بيان الهيئة". ويشير إلى نقطة هامة وهي أن صاحب الحال (الشخص أو الشيء الذي نصف حالته) يجب أن يكون معرفة، بينما الحال نفسها تكون نكرة.
في هذا المقال، سنقوم بتفكيك الحال إلى أنواعه الثلاثة (المفرد، الجملة، وشبه الجملة)، ونستعرض شروط كل نوع، وكيفية إعرابه، مستشهدين بالآيات القرآنية التي تثبت هذه القواعد وتوضحها.
النوع الأول: الحال المفرد (الكلمة الواحدة)
النوع الأول والأكثر شيوعاً هو الحال المفرد. والمقصود بالمفرد هنا ليس ما يقابل المثنى والجمع، بل ما يقابل الجملة وشبه الجملة؛ أي أنه يأتي كلمة واحدة، سواء كانت هذه الكلمة مفردة أو مثنى أو جمعاً.
من الشواهد القرآنية لهذا النوع:
-
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: 16].
- الحال: "لاعبين".
- صاحب الحال: الضمير "نا" في "خلقنا" (الفاعلين).
- الإعراب: حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
هنا الحال بينت هيئة الخالقين (تنزه الله عن ذلك) لحظة الخلق، وهي هيئة اللعب المنفية.
-
﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: 21].
- الحال: "خائفاً".
- صاحب الحال: الضمير المستتر في "خرج" (يعود على موسى عليه السلام).
- الإعراب: حال منصوب بالفتحة الظاهرة.
-
﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا﴾ [النساء: 79].
- الحال: "رسولاً".
- صاحب الحال: الكاف في "أرسلناك" (المخاطب).
- الإعراب: حال منصوب بالفتحة.
النوع الثاني: الحال الجملة (اسمية أو فعلية)
الحال الجملة. وهنا لا نكتفي بكلمة واحدة لوصف الهيئة، بل نستخدم جملة كاملة (اسمية أو فعلية). ولكن، لكي تقع الجملة حالاً، وضع النحاة شرطاً جوهرياً: الجملة بعد المعارف أحوال. كما يشترط وجود رابط يربط جملة الحال بصاحبها، وهذا الرابط إما أن يكون (الواو) أو (الضمير) أو (كلاهما معاً).
1. الجملة الاسمية
في هذا النوع، تتكون جملة الحال من مبتدأ وخبر، وتقترن غالباً بـ "واو الحال".
-
شاهد قرآني: ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ [يوسف: 14].
- جملة الحال: "ونحن عصبة".
- الرابط: الواو (واو الحال) + الضمير (نحن).
- الإعراب: الجملة الاسمية في محل نصب حال.
-
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ [البقرة: 243].
- جملة الحال: "وهم ألوف".
- الرابط: الواو والضمير "هم".
2. الجملة الفعلية
وهي الجملة التي تبدأ بفعل (ماضٍ أو مضارع) وتصف هيئة صاحبها.
-
شاهد قرآني: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾ [يوسف: 16].
- جملة الحال: "يبكون" (فعل مضارع مرفوع بثبوت النون + واو الجماعة فاعل).
- الرابط: الضمير "واو الجماعة" في "يبكون" العائد على إخوة يوسف.
- الإعراب: الجملة الفعلية في محل نصب حال.
-
﴿وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: 6].
- جملة الحال: "تستكثر".
- الرابط: الضمير المستتر في الفعل (أنت).
-
﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾.
- هنا قد تأتي جملة "وقد فصل" حالية، والرابط الواو.
النوع الثالث: الحال شبه الجملة (الظرف والجار والمجرور)
النوع الثالث هو الحال شبه الجملة، ويتكون من ظرف أو جار ومجرور. القاعدة هنا تقول: شبه الجملة بعد المعارف أحوال. ولا يحتاج هذا النوع إلى رابط لفظي (واو أو ضمير) كما في الجملة.
-
شاهد قرآني: ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ [القصص: 79].
- الحال: "في زينته" (جار ومجرور).
- صاحب الحال: الضمير المستتر في "خرج" (قارون).
- الإعراب: وشبه الجملة متعلق بمحذوف حال (أي: خرج كائناً في زينته).
-
مثال: "رأيت الهلال بين السحاب".
- الحال: "بين" (ظرف مكان).
تعدد الحال وتنوع أشكالها
من النقاط الدقيقة، إمكانية تعدد الحال في جملة واحدة، أو مجيئها جامدة مؤولة بمشتق.
-
في قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ [الفجر: 27-28].
- راضية: حال أول منصوب.
- مرضية: حال ثانٍ منصوب.
-
في قوله تعالى: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: 17].
- بشراً: حال منصوبة (جامدة موطئة لما بعدها، أو مشبهة بالمشتق).
- سوياً: نعت لـ "بشراً".
تطبيقات عملية على درس الحال
لترسيخ القواعد، دعونا نستعرض بعض النماذج من تدريبات على الحال ونحللها:
-
في قوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28].
- الحال: "ضعيفاً". حال مفرد منصوب بالفتحة، يبين هيئة الإنسان (نائب الفاعل) في خلقه.
-
في قوله تعالى: ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ [القمر: 7].
- الحال: "خشعاً". حال مقدمة منصوبة. صاحبها الضمير في "يخرجون".
-
في قوله تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ [الأنعام: 48].
- الحال: "مبشرين". حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. (أداة الاستثناء "إلا" هنا ملغاة لأن الاستثناء مفرغ، فتعرب الكلمة حسب موقعها).
-
في قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: 99].
- الحال: "آمنين". حال منصوب بالياء، صاحبها واو الجماعة في "ادخلوا".
-
في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [البقرة: 60].
- الحال: "مفسدين". حال مؤكدة لعاملها (لأن العثو هو الفساد).
خلاصة القواعد
يتضح من خلال لنا أن "الحال" هو وصف فضلة منصوب يأتي لبيان الهيئة.
- المفرد: يطابق صاحبه في النوع والعدد (ضاحكاً، ضاحكين).
- الجملة: تحتاج لرابط (واو/ضمير)، وتكون في محل نصب.
- شبه الجملة: تتعلق بمحذوف حال.
إن إدراك هذه الفروق والقدرة على استخراج صاحب الحال بدقة (سواء كان ظاهراً أو مستتراً) هو المفتاح لفهم الصورة الحركية في الآيات القرآنية والنصوص الأدبية.
أسئلة شائعة حول الحال في اللغة العربية
ما هو الحال في اللغة العربية؟
الحال هو اسم فضلة منصوب يبين هيئة صاحبه وقت وقوع الفعل، ويضيف للجملة صورة وحركة دون أن يفسد أصل المعنى النحوي.
لماذا يُعد الحال عنصرًا مهمًا في التعبير؟
لأنه يعمل ككاميرا لغوية تنقل هيئة الفاعل أو المفعول لحظة حدوث الفعل، فيجعل المعنى أكثر حيوية ووضوحًا.
ما شروط الحال من حيث التعريف والتنكير؟
الحال نكرة في الأصل، وصاحب الحال يكون معرفة غالبًا (اسم ظاهر أو ضمير أو ما في حكم المعرفة).
ما أنواع الحال في اللغة العربية؟
ينقسم الحال إلى ثلاثة أنواع: الحال المفرد، والحال الجملة (اسمية أو فعلية)، والحال شبه الجملة (ظرف أو جار ومجرور).
ما الروابط التي تربط جملة الحال بصاحبها؟
الرابط يكون الضمير أو واو الحال أو كلاهما معًا.
ما الفرق بين الحال والنعت؟
الحال يبين هيئة مؤقتة وقت وقوع الفعل، أما النعت فيبين صفة ثابتة في الموصوف.
هل يجوز تعدد الحال في الجملة الواحدة؟
نعم، يجوز تعدد الحال إذا تعددت الهيئات مثل: راضيةً مرضيةً.
