تتميز اللغة العربية بنظام صوتي وإعرابي دقيق يمنح الكلمات جرساً موسيقياً خاصاً، ومن أبرز الظواهر التي تستوقف الدارس في هذا النظام ما يُعرف بـ الممنوع من الصرف. أن هذا الباب النحوي لا يتعلق فقط بحركات الإعراب، بل يغوص في بنية الكلمة وأصلها، سواء كانت علماً، أو صفة، أو صيغة جمع خاصة.
![]() |
| الممنوع من الصرف | شرح سهل مع أمثلة |
تعريف جوهري يفكك المصطلح نفسه؛ فـ الصرف هو التنوين. وبناءً عليه، فإن الممنوع من الصرف هو الاسم الذي لا يلحقه التنوين، وله ميزة إعرابية فريدة تتمثل في أنه يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة. هذا الخروج عن القاعدة الأصلية في الجر هو ما يجعل دراسة هذا الباب ضرورة ملحة لفهم الآيات القرآنية والنصوص العربية فهماً صحيحاً.
في هذا الدليل الشامل، سنقوم باستعراض الأسباب والعلل التي تمنع الاسم من الصرف، سواء كانت عللاً ترجع للعلمية، أو الوصفية، أو صيغ الجموع، مع تسليط الضوء على الحالات الاستثنائية التي يعود فيها الاسم ليُجر بالكسرة، مستندين في كل ذلك إلى الشواهد القرآنية التي وثقتها صفحات الكتاب.
أولاً: الأعلام الممنوعة من الصرف (أسباب المنع)
يشغل "العلم" (الاسم الدال على مسمى بعينه) مساحة واسعة في باب الممنوع من الصرف. وقد فصلت الصور المرفقة الأسباب التي تجعل العلم ممنوعاً من التنوين ومجروراً بالفتحة، وهي تتنوع بين العجمة، والتأنيث، وزيادة الحروف، والتركيب، ووزن الفعل.
1. العلمية والعجمة (الأسماء الأجنبية)
أن يكون الاسم علماً أعجمياً. والمقصود بالأعجمي هنا ما نُقل إلى العربية من لغات أخرى. وقد أورد النص قائمة بأعلام الأنبياء والأماكن التي تندرج تحت هذا الحكم، مثل: (إبراهيم، إسماعيل، يعقوب، يوسف، إدريس، داود، موسى، عيسى، أيوب، إسرائيل، ومكة، ومدين).
وقد تجلى هذا الحكم الإعرابي بوضوح في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ [البقرة: 136].
عند تحليل هذه الآية وفقاً لشرح الكتاب:
- إبراهيم: اسم مجرور بحرف الجر "إلى"، وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف (للعلمية والعجمة).
- إسماعيل وإسحاق ويعقوب: أسماء معطوفة على "إبراهيم" مجرورة مثله، وعلامة جرها الفتحة أيضاً لنفس السبب.
استثناء الأسماء الثلاثية:
أن العلم الأعجمي إذا كان ثلاثياً (مكوناً من ثلاثة أحرف) ساكن الوسط، فإنه يُصرف (أي يُنوّن ويجر بالكسرة). ومثل لذلك بأسماء الأنبياء: (نوح، لوط، هود). والدليل قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ [نوح: 1]، حيث ظهر التنوين على الاسم.
2. العلمية والتأنيث (أنواعه الثلاثة)
السبب الثاني هو أن يكون العلم مؤنثاً. وقد قسّم العلم المؤنث إلى ثلاثة أقسام، كلها ممنوعة من الصرف:
- مؤنث لفظي: وهو الاسم المذكر في المعنى ولكنه خُتم بعلامة تأنيث (التاء المربوطة)، مثل: (طلحة، عبيدة، حمزة، معاوية، أسامة).
- مؤنث معنوي: وهو الاسم الدال على أنثى ولكنه خلا من علامة التأنيث، مثل: (سعاد، زينب، مريم، عفاف).
- مؤنث لفظي ومعنوي: وهو ما دل على أنثى واشتمل على علامة تأنيث، مثل: (عائشة، حفصة، خديجة، فاطمة).
ومن الشواهد القرآنية على جر المؤنث بالفتحة قوله تعالى: ﴿وَالْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: 45]. كلمة مريم جاءت مضافاً إليه مجروراً، وعلامة جره الفتحة لأنه علم مؤنث (معنوي) ممنوع من الصرف.
حالة مصر:
خص الكتاب اسم "مصر" و"هند" بحكم خاص؛ لأنه علم مؤنث ثلاثي ساكن الوسط. ففي هذه الحالة، يجوز فيه الصرف (التنوين) ويجوز فيه المنع. وقد ورد في القرآن ممنوعاً من الصرف في قوله تعالى: ﴿وَوقالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ﴾ [يوسف: 21]، حيث جُرت بالفتحة.
3. العلمية وزيادة الألف والنون
يُمنع العلم من الصرف إذا خُتم بألف ونون زائدتين. ومن الأمثلة: (عثمان، عفان، رمضان، مروان، شعبان، سفيان).
ويتضح هذا في قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فيِهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185]. كلمة "رمضان" مضاف إليه مجرور وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف.
4. العلمية والتركيب المزجي
التركيب المزجي هو كل اسم مركب من كلمتين امتزجتا حتى صارتا كلمة واحدة. هذا النوع يُمنع من الصرف أيضاً، ومثل له بـ: (حضرموت، بورسعيد، نيويورك). وتعرب إعراب المتضايفين أو ككلمة واحدة بحسب السياق، وتجر بالفتحة.
5. العلمية ووزن الفعل
وهو أن يأتي العلم على وزن خاص بالفعل (مثل وزن "أفعل" أو "يفعل"). ومن أمثلته: (أحمد، يزيد، يحيى، يشكر). في قوله تعالى: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: 6]. (هنا أحمدُ خبر مرفوع، ولكن لو جُر لكان بالفتحة).
6. العلمية ووزن "فُعَل" (العدل)
وهو العلم المعدول عن وزن "فاعل" إلى وزن "فُعَل". والمثال هو (عُمَر)، وكذلك (زُفَر، جُحَا، هُبَل).
شاهد ايضا: المفعول المطلق: دليلك الشامل لفهم المصدر المؤكد والمبين للنوع والعدد
ثانياً: الصفات الممنوعة من الصرف
لا يقتصر المنع من الصرف على الأسماء والأعلام، بل يمتد ليشمل "الصفات" إذا توفرت فيها شروط محددة، ذكر منها ثلاثة أوزان رئيسية:
1. الصفة على وزن "فعلان"
وهي الصفة التي مؤنثها "فعلى"، وتدل غالباً على الامتلاء أو الخلو، مثل: (جوغان، عطشان، كسلان، غضبان).
ومثالها القرآني: ﴿فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا﴾ [طه: 86]. (غضبانَ: حال منصوبة، ولم تنون).
2. الصفة على وزن "أفعل"
وهي الأشهر، وتشمل أسماء التفضيل والألوان والعيوب، مثل: (أحسن، أعلم، أفضل، أكرم، أسود، أبيض، أحمر).
وقد وردت في قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: 53].
عند الإعراب: الباء حرف جر زائد، و"أعلم" اسم مجرور لفظاً وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف (صفة على وزن أفعل).
3. الصفة المعدولة (أُخَر)
وهي كلمة "أُخَر" (جمع أخرى)، وهي معدولة عن وزن آخر. والدليل قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]. كلمة "أُخر" نعت لـ "أيام" (المجرورة)، ولكنها جُرت بالفتحة نيابة عن الكسرة للمنع من الصرف.
ثالثاً: صيغة منتهى الجموع (الجمع المكسّر)
السبب الثالث للمنع من الصرف لا يتعلق بالعلمية أو الوصفية، بل ببنية الجمع نفسها. يُعرف هذا النوع بـ "صيغة منتهى الجموع".
وقد عرّفه الكتاب بدقة بأنه: "كل جمع تكسير ثالثه ألف، بعدها حرفان أو ثلاثة أحرف (أوسطها ساكن)".
- ما بعد الألف حرفان: مثل (مساجد، منازل، حدائق، صواعق، معابد، دراهم).
- شاهد قرآني: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾ [الحج: 40]. (مساجدُ: لم تنون).
- شاهد الجر: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ﴾ [سبأ: 13]. "محاريب" و"تماثيل" أسماء مجرورة وعلامة جرها الفتحة.
- ما بعد الألف ثلاثة أحرف (أوسطها ياء ساكنة): مثل (مفاتيح، مصابيح، عصافير، تلاميذ).
- شاهد: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ [الملك: 5]. "مصابيح" اسم مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة.
متى يُجر الممنوع من الصرف بالكسرة؟ (عودة إلى الأصل)
رغم أن القاعدة الأساسية هي الجر بالفتحة، إلا أن نبه في "ملحوظة هامة" إلى حالتين يعود فيهما الاسم الممنوع من الصرف ليُجر بالكسرة كبقية الأسماء:
- إذا عُرّف بـ (أل):
إذا دخلت "أل" التعريف على الممنوع من الصرف، بطل حكم الفتحة.- مثال: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]. كلمة "المساجد" هي صيغة منتهى الجموع، لكنها جُرت بالكسرة لوجود "أل".
- إذا أُضيف (جاء بعده مضاف إليه):
إذا جاء الممنوع من الصرف مضافاً، يُجر بالكسرة.- مثال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]. كلمة "أحسن" صفة على وزن أفعل (ممنوعة من الصرف)، ولكنها هنا جُرت بالكسرة الظاهرة "في أحسنِ"، والسبب أنها أضيفت إلى كلمة "تقويم".
ختاماً، يتضح لنا أن "الممنوع من الصرف" هو نظام لغوي دقيق يمنع التنوين ويغير علامة الجر لعلل محددة. هذه العلل تتراوح بين ما يخص الأعلام (كالعجمة والتأنيث وزيادة الألف والنون)، وما يخص الصفات (كوزن أفعل وفعلان)، وما يخص الجموع (صيغة منتهى الجموع). إن إدراك هذه القواعد، والانتباه للحالات الاستثنائية التي يعود فيها الجر للكسرة (عند التعريف أو الإضافة)، هو المفتاح الحقيقي لتلاوة القرآن الكريم تلاوة سليمة وفهم أسرار العربية.
الأسئلة الشائعة حول الممنوع من الصرف
الممنوع من الصرف شرح مبسط؟
الممنوع من الصرف هو الاسم الذي لا يقبل التنوين، ويمتاز إعرابيًا بأنه يُجر بالفتحة نيابةً عن الكسرة (إذا كان نكرة وغير مضاف وغير معرّف بـ(أل)).
لذلك يُعد من أهم أبواب النحو لأنه يغيّر قاعدة الجرّ الأصلية، ويظهر كثيرًا في القرآن والنصوص العربية.
ما هي الأسماء الممنوعة من الصرف مع أمثلة؟
أشهر ما يُمنع من الصرف في المنهج يأتي ضمن ثلاث مجموعات كبرى:
- أعلام ممنوعة من الصرف مثل: إبراهيم، إسماعيل، يعقوب، مريم، رمضان…
- صفات ممنوعة من الصرف مثل: غضبان (فعلان)، أعلم (أفعل)، أُخر (معدولة).
- صيغة منتهى الجموع مثل: مساجد، محاريب، تماثيل، مصابيح…
مثال سريع: مررتُ بـ إبراهيمَ (جر بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف).
كيف أعرف أن الكلمة ممنوعة من الصرف؟
يمكنك تمييز الممنوع من الصرف عبر ثلاث خطوات سريعة:
- راقب التنوين: إن كانت الكلمة لا تُنوَّن غالبًا في السياق (نكرة)، فهذا مؤشر قوي.
- افحص السبب: هل هي علم أعجمي/مؤنث/مختوم بألف ونون…؟ أو صفة على وزن (أفعل/فعلان)…؟ أو جمع على صيغة منتهى الجموع؟
- اختبر الجر: إن جُرت بالفتحة (بدون أل وبدون إضافة) فهي ممنوعة من الصرف غالبًا.
مثال: في "في مساجدَ كثيرة" (مساجد: صيغة منتهى الجموع → جر بالفتحة).
كيف أعرف إذا الاسم ممنوع من الصرف؟
الاسم يكون ممنوعًا من الصرف إذا اجتمع فيه سبب قوي من أسباب المنع المشهورة، مثل:
- العلمية + العجمة (مثل: إبراهيم، إسماعيل، يعقوب).
- العلمية + التأنيث (مثل: مريم، زينب، فاطمة).
- العلمية + الألف والنون الزائدتين (مثل: رمضان، مروان، عثمان).
- العلمية + التركيب المزجي (مثل: حضرموت…).
- صفة على وزن (فعلان) أو (أفعل) (مثل: غضبان، أعلم).
- صيغة منتهى الجموع (مثل: مساجد، محاريب، مصابيح).
هل كل اسم ممنوع من الصرف يجر بالفتحة دائمًا؟
لا. القاعدة أن الممنوع من الصرف يجر بالفتحة إذا كان نكرة ولم يُعرّف بـ(أل) ولم يُضف.
أما إذا دخلت عليه (أل) أو جاء مضافًا فإنه يُجر بالكسرة ويعود للأصل.
متى يُجر الممنوع من الصرف بالكسرة؟
يُجر الممنوع من الصرف بالكسرة في حالتين أساسيتين:
- إذا عُرّف بـ(أل) مثل: في المساجدِ.
- إذا أُضيف مثل: في أحسنِ تقويمٍ.
وهنا يبطل حكم الفتحة لأنه لم يعد نكرة مجردة.
ما هي صيغة منتهى الجموع ولماذا تمنع من الصرف؟
صيغة منتهى الجموع نوع من جمع التكسير له بنية خاصة، أشهرها أن يكون ثالثه ألفًا وبعد الألف حرفان أو ثلاثة أحرف (أوسطها ساكن)، مثل: مساجد، محاريب، تماثيل، مصابيح، مفاتيح…
وهي تمنع من الصرف بسبب ثقل البنية وكثرة الحروف في صيغة الجمع.
