تتميز اللغة العربية بنظام نحوي دقيق يمنح المتحدث القدرة على التعبير عن المعاني بقوة ووضوح. ومن بين الأساليب البلاغية والنحوية التي تضفي على الجملة توكيداً وجرساً موسيقياً خاصاً، يأتي باب المفعول المطلق. هذا المكون اللغوي ليس مجرد كلمة إضافية في الجملة، بل هو أداة فعالة لتثبيت المعنى في ذهن السامع، أو تحديد نوع الفعل، أو بيان عدد مرات حدوثه.
 |
| المفعول المطلق: دليلك الشامل لفهم المصدر المؤكد والمبين للنوع والعدد |
سنقوم في هذا المقال باستعراض شامل للمفعول المطلق، بدءاً من تعريفه وكيفية اشتقاقه من الفعل، مروراً بأنواعه الثلاثة الرئيسية، وصولاً إلى كيفية إعرابه وتطبيقه في الآيات القرآنية الكريمة التي زخرت بها صفحات الكتاب المدرسي.
المفهوم والتعريف: ما هو المفعول المطلق؟
لكي نفهم المفعول المطلق، يجب أن نعود إلى أصل الكلمة وتصريفها. يُعرف المفعول المطلق تعريفاً دقيقاً بأنه: هو مصدر يُذكر بعد فعله لتأكيده، أو بيان عدده، أو لبيان نوعه.
إذن، الركن الأساسي هنا هو "المصدر". والمصدر كما توضح الصور هو التصريف الثالث للفعل. لتقريب الصورة، طرح الكتاب أمثلة قياسية توضح العلاقة بين الفعل ومصدره (المفعول المطلق):
- من الفعل أكل: المصدر هو أكلاً (أكل - يأكل - أكلاً).
- من الفعل ضرب: المصدر هو ضرباً (ضرب - يضرب - ضرباً).
- من الفعل سجد: المصدر هو سجوداً (سجد - يسجد - سجوداً).
عندما نستخدم هذه المصادر في جملة فعلية بعد فعلها، فإننا نكون قد جئنا بمفعول مطلق، وتكون المعادلة النحوية كالتالي: (ماضٍ + مضارع + مصدر).
الوظائف الثلاث للمفعول المطلق (أنواعه)
لا يأتي المفعول المطلق في الجملة عبثاً، بل يؤدي وظيفة محددة من ثلاث وظائف رئيسية فصلها المنهج الدراسي بدقة. تحديد نوع المفعول المطلق يعتمد على السياق والكلمات التي تليه.
أولاً: المؤكد للفعل (تثبيت المعنى)
النوع الأول والأساسي هو الذي يأتي مؤكداً للفعل. في هذه الحالة، الغرض من المصدر هو إزالة أي شك في ذهن السامع حول وقوع الحدث، وتأكيده تأكيداً جازماً. يتميز هذا النوع بأنه ينتهي عند المصدر ولا يأتي بعده صفة أو مضاف إليه يصفه.
من أبرز الشواهد القرآنية التي أوردها الكتاب لهذا النوع:
- قوله تعالى: ﴿وَعَدَهُمْ عَدًّا﴾ [مريم: 94]. هنا جاءت كلمة "عدّاً" مصدراً مشتقاً من الفعل "وعد"، وهدفها تأكيد حدوث الوعد، لذا فهو مفعول مطلق مؤكد للفعل.
- قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164]. كلمة "تكليماً" جاءت لتؤكد فعل الكلام الإلهي لموسى عليه السلام، ونوع المفعول هنا: مؤكد للفعل.
- قوله تعالى: ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الطور: 10]. المصدر "سيراً" جاء ليؤكد فعل المسير، وهو أيضاً مؤكد للفعل.
ثانياً: المبين للنوع (وصف الحدث)
النوع الثاني هو الذي يأتي مبيناً لنوع الفعل. وظيفة هذا المفعول ليست مجرد التأكيد، بل رسم صورة لكيفية وقوع الفعل. وعادة ما يأتي بعد هذا المصدر كلمة أخرى (نعت/صفة) تصفه وتوضح ماهيته.
الأمثلة القرآنية في الصور توضح هذا النوع بجلاء:
- قوله تعالى: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [الحدid: 18]. لاحظ أن المصدر "قرضاً" لم يأتِ وحيداً، بل وُصف بكلمة "حسناً". هذا الوصف جعل المفعول المطلق هنا "مبيناً لنوع الفعل"، أي أنه يبين نوع القرض المطلوب.
- قوله تعالى: ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: 49]. كلمة "سراحاً" هي المفعول المطلق، وقد وصفت بـ "جميلاً" لتبين نوع السراح، فهو تسريح بإحسان وليس بإساءة.
ثالثاً: المبين للعدد (كم مرة حدث الفعل؟)
النوع الثالث هو الذي يأتي مبيناً لعدد الفعل. هذا النوع يحدد عدد مرات وقوع الحدث، سواء كان مرة واحدة أو أكثر.
وقد استشهد الكتاب على ذلك بآيات كريمة:
- قوله تعالى: ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً﴾ [الصافات: 88]. كلمة "نظرة" مصدر يدل على المرة الواحدة، لذا فهي مفعول مطلق مبين للعدد.
- قوله تعالى: ﴿فَمَيْلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً﴾ [النساء: 102]. المصدر "ميلة" جاء ليوضح أن الميل سيكون مرة واحدة، فهو مبين للعدد.
- قوله تعالى: ﴿وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة: 14]. المصدر "دكة" يبين عدد مرات الدك، وهو هنا مرة واحدة.
الحكم الإعرابي للمفعول المطلق
يتفق النحاة، كما هو موضح في القواعد المستنبطة من الصور، على حكم إعرابي واحد وثابت للمفعول المطلق بجميع أنواعه. المفعول المطلق هو اسم منصوب دائماً.
عند إعراب الأمثلة السابقة، نجد نمطاً موحداً:
- في كلمة "ميلةً": مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
- في كلمة "سراحاً": مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
- في كلمة "تكليماً": مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
- في كلمة "سيراً": مفعول مطلق منصوب بالفتحة الظاهرة.
إذن، القاعدة الثابتة هي النصب، وتكون الفتحة هي العلامة الأصلية الظاهرة في جميع الأمثلة المفردة التي وردت في الشرح.
تطبيقات عملية: استخراج المفعول المطلق من النصوص
لتعميق الفهم، قدمت صفحة "تدريبات على المفعول المطلق" مجموعة غنية من الآيات القرآنية التي تتطلب من الطالب استخراج المفعول المطلق وبيان نوعه. دعونا نحلل بعضاً منها بناءً على القواعد التي تعلمناها:
في قوله تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْدَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 42]، نجد أن الفعل "أخذناهم" تلاه المصدر "أخذ". وبما أن كلمة "أخذ" أضيفت لما بعدها (عزيز) لبيان طبيعة هذا الأخذ، فإن المفعول المطلق هنا هو "أخذ"، ونوعه: مبين للنوع.
وفي قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا﴾ [نوح: 17]، الفعل "أنبتكم" تلاه المصدر "نباتاً". هنا جاء المصدر ليؤكد حدوث الإنبات دون وصف أو عدد، لذا فهو: مؤكد للفعل.
كذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 116]، الفعل "ضل" تبعه المصدر "ضلالاً". ولأن "ضلالاً" وُصفت بكلمة "بعيداً"، أصبح المفعول المطلق هنا: مبيناً للنوع.
وفي قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ [الإسراء: 12]، المصدر "تفصيلاً" جاء بعد الفعل "فصلناه" ليقطع الشك باليقين حول التفصيل، فهو: مؤكد للفعل.
أما في قوله تعالى: ﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: 11]، فالمصدر "زلزالاً" وُصف بـ "شديداً"، مما يجعله مفعولاً مطلقاً مبيناً للنوع.
الخاتمة
ختاماً، يتبين لنا من خلال استعراض نصوص الكتاب المدرسي أن المفعول المطلق هو أحد أدوات القوة في اللغة العربية. إنه المصدر الذي يُشتق من نفس حروف الفعل ليعيد صياغة الحدث بصورة أقوى وأوضح. سواء كنت تريد تأكيد المعنى (كما في "وعدهم عداً")، أو وصف كيفية حدوثه (كما في "سراحاً جميلاً")، أو تحديد عدده (كما في "دكة واحدة")، فإن المفعول المطلق هو أداتك المثالية. وإعرابه السهل الممتنع (النصب دائماً) يجعله من الأبواب النحوية المحببة والواضحة في لغتنا الجميلة.