تتميز اللغة العربية بأساليبها البلاغية والنحوية التي تمنح المتحدث القدرة على تحديد المعنى بدقة متناهية. ومن بين هذه الأساليب التي لا غنى عنها لأي دارس للغة هو أسلوب الاستثناء. الاستثناء ليس مجرد عملية طرح حسابية للكلمات، بل هو أسلوب لغوي يهدف إلى إخراج ما بعد الأداة من حكم ما قبلها.
![]() |
| الاستثناء في اللغة العربية: أركانه، أدواته، وأحكامه الإعرابية (شرح شامل) |
يُعرف بأنه: أسلوب يختلف فيه حكم ما بعد أداة الاستثناء عن حكم ما قبلها. ولتقريب هذا المفهوم، مثال: "جاء الطلاب إلا طالباً".
في هذه الجملة، حكم المجيء شمل جميع الطلاب، ولكن كلمة "إلا" تدخلت لتخرج "طالباً" واحداً من هذا الحكم، فأصبح حكمه (عدم المجيء) مخالفاً لحكم الباقين.
في هذا المقال، سنقوم بتفكيك أسلوب الاستثناء إلى عناصره الأولية، ونستعرض أدواته المتنوعة (إلا، غير، سوى، خلا، عدا، حاشا)، ونفصل في الأحكام الإعرابية للمستثنى بناءً على نوع الجملة (تام مثبت، تام منفي، ناقص منفي)، مستشهدين بالآيات القرآنية التي تثبت هذه القواعد.
أركان أسلوب الاستثناء
لا يكتمل بنيان جملة الاستثناء إلا بتوافر ثلاثة أركان رئيسية وضحها المخطط الهيكلي في الكتاب:
- المستثنى منه: وهو الاسم العام الذي يسبق الأداة، والذي يتم إخراج المستثنى منه. (مثل "الطلاب" في المثال السابق).
- أداة الاستثناء: وهي الكلمة التي تقوم بعملية الإخراج، ولها أنواع (حرف، اسم، فعل).
- المستثنى: وهو الاسم الواقع بعد الأداة مباشرة، والذي يخرج من حكم ما قبلها.
القسم الأول: الاستثناء بـ (إلا) وأحكامه
تُعد "إلا" أم الباب في أدوات الاستثناء، وهي حرف مبني لا محل له من الإعراب. ويدور إعراب ما بعدها (المستثنى) وجوداً وعدماً حول ثلاثة أنواع للجملة الاستثنائية:
النوع الأول: التام المثبت (واجب النصب)
يكون الأسلوب "تاماً مثبتاً" إذا اكتملت فيه أركان الاستثناء (ذُكر المستثنى منه)، وخلت الجملة من أدوات النفي.
- الحكم: يجب نصب المستثنى بعد "إلا".
- شاهد قرآني: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾ [الأعراف: 83].
- المستثنى منه: "أهله".
- الأداة: "إلا".
- المستثنى: "امرأتَهُ".
- شاهد آخر: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: 39-40]. "عبادَك" مستثنى منصوب وجوباً.
بما أن الكلام تام (المستثنى منه موجود) ومثبت (غير منفي)، وجب نصب "امرأته" على الاستثناء وعلامة نصبه الفتحة.
النوع الثاني: التام المنفي (جائز النصب أو الإتباع)
يكون الأسلوب "تاماً منفياً" إذا ذُكر المستثنى منه، ولكن سُبقت الجملة بأداة نفي (ما، لا، لم، لن...).
- الحكم: يجوز في المستثنى وجهان:
- النصب على الاستثناء: (وهو الأصل).
- الإعراب بدلاً من المستثنى منه: (يتبع المبدل منه في حركته).
- شاهد قرآني: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود: 81].
- النصب: قرئت "امرأتَك" بالنصب على الاستثناء.
- البدلية: في قراءة أخرى (أو في غير القرآن)، يجوز الرفع "امرأتُك" بدلاً من "أحدٌ" المرفوعة.
- مثال آخر: ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ [النساء: 66]. جاءت "قليلٌ" مرفوع بالضمة، لأنها بدل من واو الجماعة في "فعلوه". (ويجوز قليلاً بالنصب).
النوع الثالث: الناقص المنفي (الاستثناء المفرغ)
يكون الأسلوب "ناقصاً منفياً" إذا حُذف المستثنى منه، وسُبقت الجملة بنفي. في هذه الحالة، تكون "إلا" ملغاة (للحصر فقط)، ويعرب ما بعدها حسب موقعه في الجملة.
- القاعدة الذهبية: احذف النفي و"إلا" واقرأ الجملة لتعرف الإعراب.
- شاهد قرآني: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ [آل عمران: 144]. التقدير: "محمدٌ رسولٌ".
- محمد: مبتدأ.
- رسول: خبر مرفوع بالضمة.
- شاهد آخر: ﴿مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ﴾ [المائدة: 99]. "البلاغ" مبتدأ مؤخر مرفوع.
- شاهد ثالث: ﴿إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: 23]. "نذير" خبر المبتدأ "أنت".
القسم الثاني: الاستثناء بـ (غير) و(سوى)
القاعدة الجوهرية هنا هي: "غير وسوى تأخذان حكم المستثنى الواقع بعد إلا، وما بعدهما يعرب دائماً مضافاً إليه مجروراً".
- في التام المثبت: يجب نصب "غير" و"سوى". مثال: "جاء الطلاب غيرَ طالبٍ".
- في التام المنفي: يجوز نصب "غير" أو إعرابها بدلاً. مثال: "ما جاء الطلاب غيرُ (أو غيرَ) طالبٍ".
- في الناقص المنفي: تعرب "غير" و"سوى" حسب الموقع.
- ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 7]. "غيرِ" هنا نعت مجرور (تابعة لـ "الذين")، وليست استثناءً في هذا السياق، ولكنها توضح مرونة إعرابها.
ملحوظة هامة: "سوى" تعرب بحركات مقدرة على الألف، بينما "غير" تظهر عليها الحركات.
القسم الثالث: الاستثناء بـ (خلا، عدا، حاشا)
تتميز هذه الأدوات بمرونة إعرابية خاصة:
الحالة الأولى: إذا لم تسبق بـ (ما) المصدرية
يجوز فيها وجهان:
- اعتبارها حروف جر: وما بعدها اسم مجرور. مثال: "حضر الطلاب عدا طالبٍ".
- اعتبارها أفعالاً ماضية: وما بعدها مفعول به منصوب. مثال: "حضر الطلاب عدا طالباً".
الحالة الثانية: إذا سُبقت بـ (ما) المصدرية
تتعين فعليتها، والحكم: يجب نصب ما بعدها على أنه مفعول به.
- مثال ا: "قرأت الكتاب ما عدا صفحةً". "صفحةً" مفعول به منصوب وجوباً.
تنويه: أن (حاشا) نادراً ما تسبقها "ما".
خلاصة القواعد التطبيقية
يتضح من لنا أن الاستثناء هو ميزان دقيق يضبط التعميم والتخصيص. إن إتقان هذه الحالات هو المفتاح لفهم دلالات الحصر والقصر في الآيات القرآنية والنصوص الأدبية.
أسئلة شائعة حول أسلوب الاستثناء
ما هو أسلوب الاستثناء في اللغة العربية؟
هو أسلوب لغوي يُخرج ما بعد أداة الاستثناء من حكم ما قبلها لتحقيق التخصيص والدقة في المعنى.
ما أركان أسلوب الاستثناء؟
المستثنى منه، أداة الاستثناء، والمستثنى.
ما أنواع الاستثناء باستخدام إلا؟
تام مثبت، تام منفي، وناقص منفي (مفرغ).
ما حكم المستثنى في التام المثبت؟
يجب نصبه وجوبًا.
ما حكم المستثنى في التام المنفي؟
يجوز نصبه أو إعرابه بدلًا من المستثنى منه.
كيف نُعرب ما بعد إلا في الاستثناء الناقص المنفي؟
يُعرب حسب موقعه في الجملة بعد حذف النفي وإلا.
ما حكم غير وسوى في الاستثناء؟
تأخذان حكم المستثنى، وما بعدهما مضاف إليه مجرور دائمًا.
ما حكم خلا وعدا وحاشا؟
يجوز جرّ ما بعدها أو نصبه، ويجب النصب إذا سُبقت بما المصدرية.
