تتميز اللغة العربية بثرائها النحوي الذي يسمح للمتحدث بالتعبير عن أدق التفاصيل والمعاني في سياق الجملة. فبينما يوضح "الفاعل" مَن قام بالفعل، والمفعول به مَن وقع عليه الفعل، يأتي باب المفعول لأجله ليجيب عن سؤال جوهري يبحث عن العلة والسبب: "لماذا حدث الفعل؟". هذا الركن النحوي ليس مجرد إضافة تكميلية، بل هو المفتاح الذي يكشف الدوافع والنوايا خلف الأحداث، مضفياً على الكلام عمقاً ومنطقية.
![]() |
| المفعول لأجله: تعريفه، شروطه، وعلامات إعرابه |
سنقوم في هذا المقال باستعراض شامل للمفعول لأجله (أو ما يسمى بالمفعول له)، بدءاً من تعريفه الدقيق، وكيفية استخراجه من الجملة والآيات القرآنية، وصولاً إلى حكمه الإعرابي الثابت، مدعومين بنماذج تطبيقية من كتاب الله تعالى توضح القاعدة وتثبتها.
المفهوم والتعريف: ما هو المفعول لأجله؟
لكي نفهم وظيفة هذا المفعول، يجب أن نعود إلى التعريف الذي أورده الكتاب المدرسي في مستهل الدرس. يُعرف المفعول لأجله بأنه: "اسم يُذكر لبيان سبب الفعل". ويسمى أيضاً "المفعول له" أو "المفعول من أجله".
من هذا التعريف، نستنتج ركنين أساسيين: الأول أنه "اسم" (وليس فعلاً أو حرفاً)، والثاني أن وظيفته حصرية في "تعليل" حدوث الفعل الذي سبقه. ولتوضيح ذلك، طرح الكتاب مثالاً قرآنياً: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾ [الرعد: 22].
عندما نتأمل هذه الآية، نجد أن فعل الصبر قد حدث، ولكن ما الدافع وراءه؟ الكلمة التي أجابت عن هذا السؤال هي "ابتغاء". إذن، كلمة "ابتغاء" هنا هي مفعول لأجله، لأنها بينت السبب الحقيقي للصبر.
المفتاح الذهبي لاستخراج المفعول لأجله
قد يختلط الأمر على الدارس بين المفعول لأجله وغيره من المنصوبات، ولكن الكتاب المدرسي قدم طريقة ذكية ومبسطة للتأكد، وهي استخدام أداة الاستفهام "لماذا؟".
القاعدة تقول: "لأن الفعل وقع من أجل هذا المفعول، فإذا سألنا لماذا فعلوا ذلك؟ يكون الجواب هو المفعول لأجله".
بتطبيق هذه القاعدة على المثال السابق:
- السؤال: لماذا صبروا؟
- الجواب: ابتغاءَ وجه ربهم.
بما أن كلمة "ابتغاء" صلحت أن تكون جواباً لسؤال يبدأ بـ "لماذا"، فهي إذن مفعول لأجله بلا شك. هذه الطريقة العملية هي المعيار الأدق الذي يمكن للطالب الاعتماد عليه في تحليل النصوص.
الحكم الإعرابي الثابت
يتفق النحاة على حكم إعرابي واحد للمفعول لأجله المجرد. القاعدة تنص بوضوح: "المفعول لأجله دائمًا منصوب".
وعند النظر في جميع الأمثلة التي وردت في الشرح، نجد أن علامة النصب كانت موحدة:
في قوله تعالى: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ﴾ [ق: 10-11].
- لماذا أنبت الله النخل والزرع؟ الجواب: رزقاً للعباد.
- إعراب "رزقاً": مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ﴾ [الإسراء: 31].
- لماذا قد يقتل البعض أولادهم؟ الجواب: خشيةَ الفقر.
- إعراب "خشية": مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
تطبيقات عملية: تحليل الشواهد القرآنية
لتعميق الفهم، دعونا نحلل بعض الآيات الكريمة:
في الآية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
- لماذا أرسل الله نبيه؟ الجواب: رحمةً للعالمين.
- إذن، "رحمةً" هي المفعول لأجله.
في الآية: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ: 13].
- لماذا يعمل آل داود؟ الجواب: شكراً لله.
في الآية: ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم﴾ [البقرة: 109].
- لماذا يودون ردكم كفاراً؟ الجواب: حسداً.
ختاماً، يتضح لنا أن المفعول لأجله هو ركن منطقي في الجملة العربية، يربط الأحداث بمسبباتها. إنه الاسم المنصوب الذي يجيب دائماً عن سؤال "لماذا؟". وسواء جاء لبيان غاية نبيلة أو دافع آخر، فإنه يظل ثابتاً في حكمه الإعرابي (النصب)، وواضحاً في وظيفته البيانية.
أسئلة شائعة حول المفعول لأجله
ما هو المفعول لأجله?
هو اسم يُذكر لبيان سبب وقوع الفعل، ويُسمّى أيضًا: المفعول له أو المفعول من أجله.
كيف أميّز المفعول لأجله بسرعة?
اسأل عن الفعل بسؤال: لماذا? إذا كانت الكلمة تصلح جوابًا مباشرًا للسؤال فهي مفعول لأجله غالبًا.
ما الحكم الإعرابي للمفعول لأجله?
الأصل أن المفعول لأجله منصوب دائمًا، وعلامة نصبه غالبًا الفتحة إذا كان مفردًا.
ما شروط المفعول لأجله?
أن يكون مصدرًا قلبيًا يدل على سبب (مثل: خوفًا، رغبةً، ابتغاءً)، وأن يشارك الفعلَ في الفاعل والزمن غالبًا، وأن يكون مناسبًا لتعليل الحدث.
هل يجوز جرّ المفعول لأجله?
نعم قد يُجر بحرف جر مثل: من أجلِ / لِـ، فيُعرب اسمًا مجرورًا، والمعنى يبقى للتعليل.
ما الفرق بين المفعول لأجله والمفعول المطلق?
المفعول لأجله يبيّن سبب الفعل (لماذا)، أما المفعول المطلق فيؤكد الفعل أو يبيّن نوعه أو عدده (كيف/كم).
ما الفرق بين المفعول لأجله والحال?
المفعول لأجله يبيّن العلة والسبب، أما الحال فيبيّن هيئة الفاعل أو المفعول وقت حدوث الفعل.
هل يأتي المفعول لأجله في القرآن الكريم كثيرًا?
نعم، ومن أمثلته: ابتغاءَ وجه ربهم، خشيةَ إملاقٍ، رحمةً للعالمين، شكرًا، حسدًا.
