تتعدد التوابع التي تأتي لتكمل المعنى أو توضحه، ولكن البدل يحتل مكانة فريدة بينها. فهو ليس مجرد وصف كالنعوت، ولا مجرد ربط كالعطف، بل هو "العمود الفقري" الجديد للجملة الذي يحل محل ما قبله في المعنى والقصد. يُعرف البدل تعريفاً جامعاً مانعاً بأنه: التابع للمبدل منه بلا واسطة، وهو عند النحاة التابع المقصود بالحكم بلا واسطة.
![]() |
| البدل في اللغة العربية | شرح سهل مع أمثلة محلولة |
هذا التعريف يشير إلى جوهر البدل؛ فهو الكلمة التي يتجه إليها ذهن السامع باعتبارها المقصودة أساساً بالحديث، بينما يكون المبدل منه (الكلمة السابقة) مجرد تمهيد وتوطئة له. ولتقريب هذا المفهوم النظري، جاء الفاروق عمر على الإسلام بالخير. عند تحليل هذه الجملة، نجد أن "عمر" هو البدل، و"الفاروق" هو المبدل منه. فلو حذفنا كلمة "الفاروق" وقلنا "جاء عمر"، لاستقام المعنى تماماً، لأن "عمر" هو المقصود بالحكم، وهو الذي يدور عليه معنى الكلام، وما قبله كان تمهيداً.
التصنيف الهيكلي لأنواع البدل
البدل ليس نوعاً واحداً، بل يتفرع إلى أربعة أقسام (المطابق، البعض من كل، الاشتمال، والغلط)، ولكن الشرح التفصيلي والأمثلة القرآنية ركزت بشكل مكثف على الأنواع الثلاثة الأولى الأكثر استخداماً في الفصاحة والبيان القرآني.
النوع الأول: بدل كل من كل (البدل المطابق)
يُعد هذا النوع هو الأصل في البدل، وفيه يكون البدل مساوياً تماماً للمبدل منه في المعنى والذات؛ فالبدل هو عين المبدل منه. وقد زخرت النصوص القرآنية في الكتاب بأمثلة توضح هذا التطابق:
في فاتحة الكتاب، نقرأ قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: 6-7].
- المبدل منه: كلمة "الصراطَ" الأولى، وهي مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- البدل: كلمة "صراطَ" الثانية. ونلاحظ هنا أن "صراط الذين أنعمت عليهم" هو نفسه "الصراط المستقيم"، لذا فهو بدل مطابق (كل من كل)، وجاء منصوباً بالفتحة تبعاً للمبدل منه.
ومن الصور الأخرى للبدل المطابق التي أوردتها النصوص، مجيء الاسم المعرف بـ (أل) بعد اسم الإشارة، أو تفسير الكلمة بمرادفها، كما في قوله تعالى: ﴿كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ [العلق: 15-16].
- المبدل منه: "الناصية" (اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة).
- البدل: "ناصية" (الثانية). وهي بدل مطابق مجرور بالكسرة، جاءت لتوضح وتخصص الناصية المقصودة.
وكذلك في قوله تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: 26].
- الحمية: مفعول به منصوب.
- حميَّة: بدل كل من كل منصوب بالفتحة.
النوع الثاني: بدل بعض من كل (الجزئية المادية)
النوع الثاني، وهو ما كان فيه البدل جزءاً حقيقياً ومادياً من المبدل منه، سواء كان هذا الجزء نصفاً، أو ثلثاً، أو أقل أو أكثر. ويشترط في هذا النوع غالباً وجود ضمير (رابط) يعود على المبدل منه.
من الأمثلة القرآنية الدقيقة لهذا النوع قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
- المبدل منه: "الناس"، وهي اسم مجرور بـ "على".
- البدل: "مَن". وهي اسم موصول مبني في محل جر بدل من "الناس".
والعلاقة هنا واضحة؛ فـ "مَن استطاع" هم جزء من عموم "الناس"، وليسوا كل الناس، لذا فهو بدل بعض من كل.
﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا﴾ [المزمل: 2-3].
- المبدل منه: "الليلَ" (مفعول به منصوب).
- البدل: "نصفَهُ" (بدل منصوب بالفتحة). والنصف جزء مادي من الليل.
النوع الثالث: بدل الاشتمال (التعلق المعنوي)
النوع الثالث هو بدل الاشتمال، وهو ما كان فيه البدل دالاً على معنى من المعاني التي يشتمل عليها المبدل منه، وليس جزءاً مادياً يتجزأ منه. وكما في النوع السابق، يحتاج إلى ضمير يربطه بالمبدل منه.
أوضح مثال هو قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: 217].
- المبدل منه: "الشهر" (اسم مجرور).
- البدل: "قتالٍ".
عند التحليل، نجد أن "القتال" ليس جزءاً من الشهر (كأيامه أو ساعاته)، ولكنه حدث يشتمل عليه الشهر ويقع فيه، لذا أُعرب بدلاً مجروراً بالكسرة (بدل اشتمال).
ومثال آخر: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ﴾ [البروج: 4-5].
- المبدل منه: "الأخدودِ" (مضاف إليه مجرور).
- البدل: "النارِ" (بدل مجرور بالكسرة).
فالأخدود (الخندق) يشتمل على النار، وليست النار جزءاً من تكوينه الترابي، لذا فهي بدل اشتمال.
القاعدة الإعرابية العامة (التبعية)
شرح البدل على قاعدة "التبعية". فالبدل يتبع المبدل منه في حركته الإعرابية (الرفع، النصب، الجر) بغض النظر عن نوع البدل.
- في الرفع: "جاء الفاروقُ عمرُ".
- في النصب: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ﴾ (مجرورة تبعاً للمجرور).
- في الجر: ﴿إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 1-2]. لفظ الجلالة "الله" بدل مجرور بالكسرة من "العزيز" المجرورة.
ملخص القواعد الذهبية وتطبيقات إضافية
نضع بين يديك ملخصاً لأهم القواعد التطبيقية المستنبطة لتكون مرجعاً سريعاً لك عند الإعراب:
1. قاعدة إبدال الفعل من الفعل:
لا يقتصر البدل على الأسماء، بل يقع في الأفعال أيضاً.
- الشاهد: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ﴾ [الفرقان: 68-69].
- التحليل: الفعل "يضاعفْ" جاء مجزوماً لأنه بدل من الفعل المجزوم قبله "يلقَ".
2. قاعدة تكرار اللفظ للتوضيح:
إذا تكرر اللفظ، وكان الثاني موضحاً للأول، فهو بدل.
- الشاهد: ﴿لَإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ﴾ [قريش: 1-2].
- التحليل: "إيلافهم" الثانية هي بدل من "إيلاف" الأولى.
3. قاعدة الاسم بعد اللقب:
الاسم العلم الذي يأتي بعد اللقب أو الكنية يُعرب بدلاً.
- الشاهد: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ [الأنعام: 74].
- التحليل: "آزر" هو اسم الأب، وجاء بعد الوصف "أبيه"، فهو بدل مجرور.
4. قاعدة التفصيل بعد الإجمال (التوضيح):
عندما يأتي اسم ليفصل أو يحدد اسماً عاماً قبله.
- الشاهد: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ﴾ [المائدة: 97].
- التحليل: "البيت الحرام" هو توضيح لـ "الكعبة"، فكلمة "البيت" بدل منصوب.
هذه القواعد والتطبيقات من صميم تدريبات الكتاب المدرسي توضح أن البدل أداة مرنة وقوية في يد المتحدث لضبط المعنى وتوجيه ذهن السامع إلى المقصود بدقة متناهية.
أسئلة شائعة حول البدل في اللغة العربية
ما هو البدل في اللغة العربية؟
هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، ويحل في المعنى محل المبدل منه.
لماذا يُعد البدل مختلفًا عن بقية التوابع؟
لأن البدل هو العمود الفقري للجملة، وهو المقصود بالحكم، بخلاف النعت أو العطف.
ما أنواع البدل الأساسية؟
بدل كل من كل، بدل بعض من كل، بدل الاشتمال، وبدل الغلط.
ما الفرق بين بدل كل من كل وبدل بعض من كل؟
بدل كل من كل يساوي المبدل منه تمامًا، أما بدل بعض من كل فيمثل جزءًا منه.
متى يكون البدل بدل اشتمال؟
عندما يدل على معنى يشتمل عليه المبدل منه دون أن يكون جزءًا ماديًا منه.
هل يتبع البدل المبدل منه في الإعراب؟
نعم، يتبعه في الرفع والنصب والجر.
كيف أميز البدل بسرعة في الإعراب؟
احذف المبدل منه، فإن استقام المعنى وكان الثاني هو المقصود، فهو بدل.
